ضياع

المقاله تحت باب  قصة قصيرة
في 
15/10/2015 06:00 AM
GMT



انتبهت الدقائق التي كانت مشغولة بنفسها بأنها قد تأخرت كثيراً، فارتبكت وأسرعت تنادي بعضها للخروج إلى الشارع لكي تحصل على باص يأخذها إلى ساحة الساعة حيث يتم فيها توزيع الزمن على الناس.
كانت الدقائق المتأخرة كلها متشابهة في الطول والشكل وحتى الحركة، لذلك، كان المنظر غريباً وهي تتدافع فيما بينها للصعود في الباص الواقف بدون سائق في محطة الحركة والذي يُسمى " باص الاستدراك ". وهذه الباصات متوفرة هنا في ساحة الحركة يصعد فيها المتأخر للتوجه إلى الجهات التي يريدها. كانت الدقائق تتدافع لأنها جميعاً تريد الجلوس في مقعد السائق لقيادة الباص إلى الجهة التي تريدها كل دقيقة، كان المنظر غريباً حين تشكلت ساعة عملاقة من تلك الدقائق المتأخرة التي كان عددها ستون دقيقة كما ظهر العدد في الشاشة الموضوعة في مدخل محطة الحركة لعد المتأخرين...نعم كان العدد واضحاً جداً.
جلست الساعة العملاقة في مقعد السائق وقادت باص الاستدراك بسرعة كبيرة، وكان سير الباص يدل على أن تلك الساعة لا تحسن قيادة ذلك الباص الذي يصطدم بجوانب الطريق بكثرة حتى وصلت إلى ساحة الساعة والتي كانت مزدحمة جداً وصيحات متداخلة متصاعدة من الناس جميعاً وهم يتذمرون من عدم حصولهم على كفايتهم من الزمن، أو أن زمنهم فيه تأخير دائماً بسبب عدم دقة مكيال توزيع الزمن الموجود في ساحة الساعة والذي أصبح مكيالاً قديما لا يتناسب مع الأشياء الاخرى التي تغيرت وتتغير في المدينة.
بعد عملية توقف صعبة لباص الاستدراك الضخم، نزلت الساعة المتأخرة والناس يحيطون بها متذمرين، يرفعون أياديهم وأصواتهم مطالبين بدقائقهم المتأخرة دون أنْ يعرفوا أنها اختفت في تلك الساعة. سارت الساعة ببطء وسط تلك الحشود الغاضبة وهي ترجو أن يسمحوا لها بالمرور لأنها متأخرة جداً عن الزمن ، إلا أن الجميع يصرون على المطالبة بدقائقهم التي ضاعت دون أن يعرفوا كيف وأين. حتى أخذوا يحاصرون تلك الساعة العملاقة التي أصبحت متعبة . صار الناس يضربون قدمها لتسقط أو تركع ، يضربونها بقوة حتى فتحوا في ساقها ثقباً سالت منه الدقائق المتأخرة وهي تنساب بين أقدام الناس، حتى إختفت الساعة العملاقة بنزول آخر دقيقة من ذاك الثقب.
صار الناس يركضون خلف تلك الدقائق التي خرجت من ثقب الساعة، كانت ستون دقيقة، ثم انشطرت كل دقيقة إلى ستين جزءاً، ثم كل جزء إلى أجزاء أصغر وأصغر، والناس يركضون كأنهم يبحثون عن قطرات زئبق سال منهم.
تعب الجميع دون أنْ يمسكوا بأي شيء، فتلك الدقائق المتأخرة قد ضاعت، وحين هدأ الجميع من التعب، رفعوا رؤوسهم نحو ذلك الباص، فقرأوا على الشاشة التي في الزجاجة الخلفية من الباص : أنّ باص الاستدراك هذا تحت الصيانة بسبب أنه يصل دائماً إلى ساحة الساعة قبل موعد الوصول المثبت في جدول التوزيع ! ...لقد كان الناس جميعاً في صراع للإمساك بتلك الساعة المتأخرة وثم دقائقها وأجزائها، تلك التي جاءت في باص استدراك غير دقيق سبق زمن الوصول.
أنا الآن مع مجموعة أخرى في انتظار باص يأتي في الموعد تماماً، فيه دقائقنا المتأخرة.
وليس باص استدراك خارج الخدمة !
لا أعرف منذ متى وأنا أنتظر، فقد أكتشفتُ الآن أنّ ساعتي متوقفة!
..........
٢٧ - تشرين ثان - ٢٠١٤